مخططات "اسرائيل" ما بين مواجهة "مستبعدة" وأخرى "حتمية"

مخططات "اسرائيل" ما بين مواجهة "مستبعدة" وأخرى "حتمية"

  • مخططات "اسرائيل" ما بين مواجهة "مستبعدة" وأخرى "حتمية"

اخرى قبل 2 سنة

مخططات "اسرائيل" ما بين مواجهة "مستبعدة" وأخرى "حتمية"

اعداد د. يوسف يونس - باحث مختص في الشؤون السياسية

 نائب رئيس مركز الناطور للدراسات

•       الملخص -

تواصل "اسرائيل" سعيها الدؤوب لتنفيذ مخططاتها الاستراتيجية المتعلقة بمستقبل الضفة الغربية وقطاع غزة، بعيدا عن قرارات الشرعية الدولية، واسس عملية التسوية المتفق عليها.

وتمثل الضفة الغربية، المحور الاول في تحركاتها، من خلال تنفيذ مزيد من المشاريع الاستعمارية/الاستيطانية، بالتزامن مع تصعيد الهجمات الارهابية على المواطنين الفلسطينيين، من المستعمرين "المستوطنين" وقوات الاحتلال، والتي تهدف لدفعهم لترك منازلهم وقراهم، ما يسمح لدولة الاحتلال بمصادرة المزيد من الارضي وجلب المزيد من المستوطنين، وتغيير الامر الواقع، جغرافياً وديمغرافياً، ما يحول دون قيام الدولة الفلسطينية وينهي حل الدولتين.

ويمثل قطاع غزة المحور الثاني في مخططات "اسرائيل" لإنهاء حل الدولتين من خلال الفصل بين الضفة الغربية وقطاع غزة، وفق مفهوم "الامن الاقتصادي"، لتطوير الانقسام السياسي، نحو "الانفصال الكياني"، وتدمير الوحدة الكيانية الفلسطينية.

وتشير التقديرات الاستخبارية الاسرائيلية انه على الرغم من المؤشرات الايجابية التي تشير الى تحسن الوضع الامني الاستراتيجي، الا ان هناك مؤشرات اخرى تؤكد عدم صحة تلك التقديرات المتفائلة – الى حد كبير، فالعوامل الميدانية، تجعل الاوضاع في الضفة الغربية وقطاع غزة تتراوح ما بين احتمالات المواجهة الحتمية، والمواجهة المستبعدة، وفق العديد من العوامل التي لا يجب اغفالها في المرحلة القادمة.

ولقد اعتمدنا في تقدير الموقف المرفق على تقديرات استخبارية اسرائيلية، وحاولنا ان نقدم صورة واضحة عن المخططات الاسرائيلية في الاراضي الفلسطينية، من خلال التعرف على الوضع الميداني، وصراعات النفوذ في الضفة الغربية، ومحاولة اسرائيل استغلالها بما يخدم اهدافها الاستراتيجية. ثم نستعرض الموقف في قطاع غزة للتعرف على الصراعات والاستراتيجيات المتعرضة، وصولاً الى استعراض الاحتمالات المستقبلية

 

 

الوضع الميداني يتجه للتصعيد:

يزعم جيش الاحتلال الصهيوني أن سياساته في الاراضي الفلسطينية نجحت في تحسين الوضع الأمني الاستراتيجي الاسرائيلي، حيث تُظهر البيانات أطول فترة هدوء عملياتي في الأشهر الستة الاخيرة، فعلى جبهة قطاع غزة أطلقت خمسة صواريخ، وبالمقارنة تم إطلاق 22 صاروخًا بعد حرب 2014، وتم إطلاق 76 صاروخًا بعد حرب 2012، وتم إطلاق 196 صاروخًا بعد حرب 2009. وفي الضفة الغربية، وعلى الرغم ان البيانات تشير الى ارتفاع في عدد الهجمات خلال 2021، فقد وقع 5532 حادثة رشق حجارة، 1022 القاء زجاجة مولوتوف، 61 حادثة إطلاق نار، و 18 عملية طعن، إلا انه تم تسجيل مقتل إسرائيليين فقط، وبالمقارنة، قُتل 21 إسرائيليا في 2014، 28 في 2015، 17 في 2016، 20 في 2017، 11 في 2018، خمسة في 2019 ، وإسرائيلي واحد في 2020م ().

وتستبعد الدوائر الاستخبارية الاسرائيلية أن تتطور العمليات الحالية الى موجة "تصعيد عملياتي”، خاصة وان ارقام العمليات الحالية أقل من مراحل سابقة تجاوزت فيها 30 عملية، إضافة الى العمليات الحالية لا تترافق مع احتجاجات جماهيرية واسعة، ولا يجب اغفال اهمية التنسيق الامني مع اجهزة الامن الفلسطينية.

وفي المقابل برزت تخوفات من تأثيرات معركة قطاع غزة الاخيرة على الوضع الميداني في الضفة الغربية، خاصة وأنها عززت "الحافزية" لتكوين المزيد من الخلايا المسلّحة في مواجهة قوات الاحتلال. وتتخوف أجهزة الامن الإسرائيلية من احتمالات وقوع عمليات جديدة في الفترة القادمة، في ضوء التقارب الزماني والمكاني للعمليات الاخيرة، والطبيعة الفردية التي قد تدفع لمحاكاة هذا النمط من العمليات. اضافة الى انه لا يمكن اغفال "العنصر الديني" الذي يجعل القدس “بؤرة توتر" دائمة تدفع لتنفيذ المزيد من العمليات ().

وتشكل العمليات الفردية مشكلة للأجهزة الأمنية الاسرائيلية، خاصة وان إحباط عمليات من هذا النوع مهمة بالغة الصعوبة مقارنة بالعمليات التي تخطط لها تنظيمات؛ بسبب صعوبة التعرّف على نية شخص ما قرّر تنفيذ عملية، في حين أنّ فرص أن تحصل أجهزة الامن الإسرائيلية على معلومات حول نوايا التنظيمات أكبر، مما يسهل مهمة إحباطها ().

الضفة الغربية وصراع النفوذ:

اصبح عنف المستعمرين/المستوطنين ضد المواطنين الفلسطينيين في الضفة الغربية، يشكل عنصراً مؤثراً باتجاه تقويض الاستقرار في الضفة الغربية، وقد يدفع باتجاه المزيد من المواجهات مع قوات الاحتلال، ويعرض السلطة الفلسطينية للمزيد من الاحراج امام المواطنين نظراً لعجزها عن الدفاع عنهم، خاصةً في المناطق الواقعة تحت مسؤوليتها، كما انه يضعف قدرتها على تبرير التنسيق الأمني مع الأجهزة الأمنية الاسرائيلية ().

وتشير التقديرات الاستخبارية الاسرائيلية ان حركة حماس قررت استخدام الاوضاع في الضفة الغربية كرافعة لتعزيز أهدافها في غزة، وتبنت قيادة الحركة استراتيجية “المقاومة المزدوجة” ، والتي في جوهرها محاولة للحفاظ على الهدوء في قطاع غزة، وتخفيف الحصار وإعادة الإعمار، وتحسين الوضع الإنساني، بالتزامن مع تطوير البنية التحتية للحركة في الضفة الغربية وجنوب لبنان ، بمساعدة إيران وحزب الله، من أجل تكثيف العمليات ضد "إسرائيل" ، ما يمّكن الحركة من تعزيز شرعيتها السياسية وترسيخ مكانتها في قيادة النضال الوطني الفلسطيني، ما سيساهم في تقويض شرعية السلطة الفلسطينية، من خلال تصعيد المواجهات في الضفة الغربية بين الجيش الاسرائيلي والمواطنين الفلسطينيين ().

وكان جهاز الشاباك الاسرائيلي، قد أعلن عن الكشف عن بنية تحتية لحركة حماس في الضفة الغربية خططت لتنفيذ عمليات ضد اهداف اسرائيلية، والذي أدار عملية التجنيد والتمويل صالح العاروري نائب رئيس الحركة، وزكريا نجيب من القدس، وتم تجنيد نشطاء في حماس من الخليل وجنين ورام الله، وتم ضبط وسائل قتالية واحزمة ناسفة واموال. وتم اعتقال أكثر من خمسين ناشطاً من مناطق مختلفة في الضفة، ومنهم حجازي القواسمي، 37 سنة، من نشطاء حماس الخليل، اعتقل عدة مرات بتهمة التخطيط لعمليات، يرتبط مع محمود القواسمي الذي ابعد في صفقة شاليط الى غزة ويعمل من هناك على تحريك نشاط التنظيم في الضفة ().

وتسعى "اسرائيل" جاهدة لتحويل مسار الصراع في الضفة الغربية باتجاه أن يكون صراع فلسطيني – فلسطيني لتخفيف الاعباء الامنية المرتبة على قوات جيش لاحتلال، ما يساعد "اسرائيل"، ويوفر لها المساحة لتمرير وتنفيذ مخططاتها ومشاريعها الإستراتيجية في الضفة الغربية.

الهدوء الخادع في قطاع غزة:

تشير التقديرات الاسرائيلية الى أن حركة حماس لجأت الى سياسة "حافة الهاوية"، في ادارتها للصراع مع اسرائيل ، بإطلاق المزيد من التهديدات، بإمكانية التوجه الى مواجهة عسكرية جديدة ، في ضوء الازمة الانسانية الحادة في قطاع غزة، وذلك استناداً الى تقديراتها التي تعتقد أن الحكومة الاسرائيلية تخشى المواجهة العسكرية القادمة ، لاعتبارات تتعلق بوضعها الداخلي وهشاشة الائتلاف الحكومي ، وموقف الادارة الامريكية المعارض للتصعيد في المنطقة ، والذي يتعارض مع توجهاتها لإعادة ترتيب العديد من الملفات الإقليمية والدولية ، وفق المصالح الإستراتيجية للولايات المتحدة ().

ولذلك ترى الأجهزة الأمنية الاسرائيلية أن الهدوء الحالي في قطاع غزة "خادع"، فحركة حماس تقع تحت ضغط العديد من العوامل أهمها التوتر في السجون، وبطء عملية اعادة اعمار غزة، والمشاكل الحياتية في قطاع غزة، سواء على صعيد أزمة الكهرباء، وتفشي الكورونا. إضافةً الى معارضة الحركة لمحاولات "اسرائيل" فرض معادلة جديدة في مفاوضات التهدئة تتمثل في وقف طويل المدى لإطلاق النار يشمل مسؤولية كاملة لحماس عن كل السلاح الذي يوجد في قطاع غزة، والتوقف عن أعمال المقاومة في الضفة وشرق القدس من أجل ضمان إعمار قطاع غزة ().

ويشكل وصول مفاوضات صفقة تبادل الأسرى إلى طريق مسدود عائقاً أمام التقدم في القضايا الإنسانية في قطاع غزة وإعادة إعمار قطاع غزة. وحركة حماس لديها توجهات لاستغلال صفقة تبادل الاسرى كرافعة سياسية وأمنية لتعزيز الهدوء على حدود قطاع غزة وتحسين الوضع الإنساني، دون الالتزام بهدنة طويلة الأمد مع "إسرائيل"، حيث تسعى الى "تهدئة قصيرة المدى"، في قطاع غزة، تساعدها على استئناف نشاطاتها في الضفة الغربية ().

وكشفت مصادر أمنية إسرائيلية عن جهود التنظيمات في قطاع غزة لإصلاح البنية التحتية العسكرية والتي تضررت في حرب الصيف الماضي، وتسعى لتطوير منظومة الصواريخ والطائرات بدون طيار والقدرات البحرية وشبكة الانفاق. وتوفرت لديهم معلومات عن اجتماعات بين كتائب القسام وسرايا القدس، لبحث آليات التنسيق العسكري بين الطرفَين، وتعزيز إمكانات المقاومة، وأهمية عمل الغرفة المشتركة، وتطوير قدرات المقاومة وتحقيق نقلة نوعية في إطلاق الصواريخ، بما يجعلها تُطلق أكثر من 200 صاروخ في الرشقة الواحدة، وتحسين قدراتها في مجال دقّة الصواريخ، وتطوير الطائرات المُسيّرة والحرب الإلكترونية لتعطيل عمليات الجيش الإسرائيلي ونظام القبة الحديدية، وإدخال السيارات المفخّخة لتفجير الجدار الأمني واختراق الحدود، لتنفيذ عمليات خطف إسرائيليين.

غزة والصراعات الاقليمية:

تعتبر ادارة الرئيس الأمريكي "جو بايدن" أنه لا توجد حالياً امكانية للدفع قدماً بعملية سياسية شاملة، لكن هناك ضرورة لتحسين الوضع الاقتصادي في الاراضي الفلسطينية، بدعم جهات عربية ودولية، ثم مفاوضات تبادل أسرى، بهدف الوصول إلى تهدئة طويلة الأمد، والشروع بعملية إعادة إعمار للقطاع. وحسب مصادر دبلوماسية فإن الولايات المتحدة ستكون مستعدة للتبرع لإعادة اعمار غزة مقابل اتفاق لوقف إطلاق النار طويل المدى ترافقه ضمانات بألا يقوم أي طرف بأي عمل يمكن أن يمس بنتائج اعادة الاعمار ().

وجاء التحرك المصري لدراسة قواعد عمل جديدة بين مصر وقطاع غزة، وفق معادلة "الأمن مقابل الإعمار"، ليصبح بعداً أكثر شموليةً في المشهد القائم بين قطاع غزة و"اسرائيل"، لتثبيت معادلة البناء الاقتصادي لمنع أي تدهور أمني، وربط مصالح سكان قطاع غزة مباشرةً بالبعد الأمني، بحيث يصبح كسر معادلة "الأمن مقابل الإعمار" أكثر تعقيداً. ويهدف التحرك المصري بهذه الطريقة لعرقلة التوجهات الاسرائيلية التي تحاول أن تربط ما بين مستقبل قطاع غزة والتسهيلات التي تقوم بتقديمها لسكان قطاع غزة، والتي تحمل في طياتها مظهر خطر سياسي، يكرس البعد الانفصالي ().

ويواجه هذا التحرك المصري اتهامات واعتراضات من أطراف اقليمية وفلسطينية، ترى أن مصر تسعى إلى أن يكون ملف غزة تحت اشراف القاهرة بمفردها لخدمة السياسة الامريكية في المنطقة التي تحاول تقليل الاعباء الاقليمية لصالح انشغالاتها في ملفات أخرى أكثر أهمية وسخونة في المرحلة الحالية. إلا أنه من الواضح أن هذه الاعتراضات يقف وراءها صراعات اقليمية تحاول عرقلة التوجهات المصرية، وتبذل ضغوطاً قويةً لعرقلة الدور المصري، واتهامه بالتباطؤ خدمةً لمصالح "اسرائيل"، بهدف عرقلة محاولات مصر للتوصل إلى تهدئة الأوضاع في قطاع غزة بما لا يتناسب مع مصالح تلك الأطراف.

احتمالات مستقبلية:

تسعى "اسرائيل" لترسيخ مشروعها الاستراتيجي لإنهاء حل الدولتين على أرض الواقع من خلال محورين رئيسيين في الضفة الغربية وقطاع غزة:

•       المحور الاول يتمثل في تنفيذ مخططات ضم الضفة الغربية، وتنفيذ مخطط مشروع القدس الكبرى على 10% من مساحة الضفة الغربية والذي يفصل شمالها عن جنوبها، ويهدف إلى تطويق القدس الشرقية بما يسمى "متروبوليتان القدس" لتهويد المدينة بالكامل، وتقسيم الضفة الغربية وإعاقة تواصلها الإقليمي ومحاصرة المدن الفلسطينية بالمستوطنات (راجع خرائط الأطواق الثلاثة حول القدس) (). 

•       وفي مطلع سنة 2020 كشفت حكومة "إسرائيل" عن مخططاتها لضم المناطق المصنفة (ج)، والتي تمثل 61% من مساحة الضفة الغربية إلى السيادة الإسرائيلية في إطار خطة استراتيجية لزيادة عدد المستوطنين اليهود في الضفة الغربية إلى مليون مستوطن. ومن الجدير بالذكر أن قانون شرعنة الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة كان قد أقره الكنيست الاسرائيلي بتاريخ 6 شباط / فبراير سنة 2017، لتكثيف مصادرة أراضي الفلسطينيين، ما سيؤدي الى تهجيرهم من أراضيهم.

•       وتسعى "اسرائيل" من خلال استغلال تصاعد عنف عصابات المستعمرين/المستوطنين ضد المواطنين الفلسطينيين في الضفة الغربية، لتمرير المخططات الاسرائيلية لتهجير المواطنين الفلسطينيين وخاصة من القرى الواقعة في (المنطقة ج)، والتي يعاني أهلها من الاجراءات الاسرائيلية، التي يمكن أن يتم اعتبارها اجراءات عقابية ضد السكان.

•       وبات يشكل تصاعد الإجراءات الاحتلالية واعتداءات المستوطنين ضد المواطنين الفلسطينيين في الضفة الغربية، عنصراً مؤثراً باتجاه تقويض الاستقرار في الضفة الغربية، من خلال الدفع باتجاه المزيد من المواجهات مع قوات الاحتلال، ويعرض السلطة الفلسطينية للمزيد من الإحراج أمام المواطنين نظراً لعجزها عن الدفاع عنهم، خاصةً في المناطق الواقعة تحت مسؤوليتها، ما سيؤدي إلى تطور موجة العمليات الحالية إلى انتفاضة ثالثة ستشهدها الضفة الغربية.

•       وتبذل "اسرائيل" جهدها لتوجيه الانفجار بما يتلاءم مع مصالحها، وصولاً إلى تدمير الكيان الفلسطيني، لحساب "كيان حكم ذاتي" يتولى إدارة الشؤون الحياتية للمواطنين الفلسطينيين في الضفة الغربية، عن طريق مجالس بلدية سيجري انتخابها بصورة مباشرة من المواطنين.

 

 

 

التعليقات على خبر: مخططات "اسرائيل" ما بين مواجهة "مستبعدة" وأخرى "حتمية"

حمل التطبيق الأن